کد مطلب:370243 شنبه 19 خرداد 1397 آمار بازدید:598

الفصل الثانی: المجتمع والحرب














الصفحة 42












الصفحة 43


العراق.. بعد الفتح: نظرة عامة:


لقد فتح العراق فی عهد الخلیفة الثانی عمر بن الخطاب؛ لیواجه الحیاة العسكریة، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، حیث أخذ على عاتقه مهمة تأمین القوى الكافیة للفتوحات، وتحمل الكثیر من النفقات التی تتطلبها الحروب المتوالیة.


كما أنه قد كان على العراق أن یتقبل شاء أم أبى كل تلك الآثار النفسیة والاجتماعیة، التی ترافق حیاة هذا طابعها.


هذا بالإضافة إلى عدم توفر عنایة كافیة، ممن سبقوا أمیر المؤمنین (علیه السلام) بالتربیة الإسلامیة، والتأهیل لاستیعاب التعالیم الإلهیة، ثم التفاعل معها بالشكل المناسب والمقبول؛ بحیث یتحول ذلك فی داخلهم إلى طاقة عقائدیة، تشحن وجدان الإنسان وضمیره بالمعانی السامیة والنبیلة، ولینعكس ذلك من ثم على كل سلوكه ومواقفه، وتغنی روحه وذاته بالقیم والمعانی الإسلامیة السامیة، وتؤثر فی صنع ثم فی بلورة خصائصه الأخلاقیة على أساس تلك المعانی التی فجرتها العقیدة فی داخل ذاته، وفی عمق ضمیره..


وبعد كل ذلك الذی قدمناه.. فإن من الطبیعی أن یصبح الجهل الطاغی والروح القبلیة، والمفاهیم الجاهلیة، والمآرب والأهواء الشخصیة












الصفحة 44


ـ كل ذلك ـ هو الطابع العام، الممیز للحیاة العامة، ولاسیما على مستوى الزعامات القبلیة آنئذٍ.. مع فارق وحید هو: أن كل ذلك أصبح یتلون ویتلبس بالدین، یستفید منه فی التمریر والتبریر، والدین من ذلك كله بریء.


بل.. إنه قد یكون أحیاناً عاریاًً عن أی لون أیضاً.


وقد أشار أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلى هیمنة المفاهیم الجاهلیة على عقلیات وتصورات السواد الأعظم فی المجتمع العراقی، حینما قال: «وثلمتم حصن الله المضروب علیكم بأحكام الجاهلیة»(1) وتقدمت نصوص أخرى تشیر إلى ذلك أیضاً فی الفصل السابق، فلتراجع.


فالعامل الثقافی الناقص والمنحرف، والمتأثر بالمفاهیم الجاهلیة، التی كانت تهیمن على عقلیاتهم وتصوراتهم، بالإضافة إلى عدم توفر العمق الإیمانی لدیهم إلا فی حدود العواطف والأحاسیس التی كانت تتلون بالإیمان، وتتجلى بمظهره. كان هو السمة الممیزة للمجتمع العراقی فی تلك الفترة.


الفتوحات، والغنائم:


وإذا كان العراقیون یتحملون أعباء الفتوحات، لیس بالنسبة إلى الدولة الكِسرویة وحسب، وإنما بالنسبة إلى بلاد الشام وفلسطین، وسائر المناطق ـ فإن من الطبیعی أن یهتموا كثیراً ـ ولاسیما على مستوى القیادات فیهم ـ بالحصول على المزید من الغنائم والسبایا، فصار لدى


____________



(1) نهج البلاغة، الخطبة رقم [192] بترقیم المعجم المفهرس للدشتی..













الصفحة 45


البعض منهم ثروات وفیرة، وجواری وحسناوات كثیرة. الأمر.. الذی من شأنه أن یجعلهم أقل تحمساً لمعاناة الحروب الطویلة، التی یواجه الإنسان فیها المزید من شظف العیش، وقسوة الحیاة، ومشاق المتاعب العظیمة والأخطار الجسیمة.. مادام أنه یمكن تأمین تلك المطالب، والحصول على تلك الرغائب عن طریق الغارات السریعة، والحروب الخاطفة.


ومن الشواهد التی تشیر إلى أن تلك الأطماع والشهوات كانت تمثل دافعاً مهماً لهم لخوض الحروب وشن الغارات، ما روی، والنص للطبری من أنه:


«بعث عتبة بن أنس بن حجیة إلى عمر بمنطقة مرزبان دست میسان، فقال له عمر: كیف المسلمون؟!


قال: انثالت علیهم الدنیا، فهم یهیلون الذهب والفضة.


فرغب الناس فی البصرة، فأتوها!!»(1).


ومن الطریف أن نشیر هنا إلى أن بعض العرب ما كانوا یفرقون الذهب من الفضة، ولا الكافور من الملح.


قال الدینوری، وهو یتحدث عن المسلمین فی فتح المدائن:


«وقعوا على كافورٍ كثیر، فظنوه ملحاً فجعلوه فی خبزهم، فأمرّ علیهم.


وقال مخنف بن سلیم: لقد سمعت فی ذلك الیوم رجلاً ینادی: من یأخذ صحفة حمراء، بصحفة بیضاء، لصحفة من ذهب لا یعلم ما


____________



(1) تاریخ الأمم والملوك ج3 ص93 وفجر الإسلام ص180 عنه، والكامل فی التاریخ ج2 ص488 والأخبار الطوال ص117.













الصفحة 46


هی»(1).


وثمة نصوص كثیرة فی هذا المجال أوردنا طائفة منها فی كتابنا: الحیاة السیاسیة للإمام الحسن (علیه السلام) فی عهد الرسول والخلفاء الثلاثة بعده، حین الحدیث عن الفتوحات، وآثارها فلیراجعه من أراد.


تربیة الجواری للناشئة:


وبعد، فإن تربیة تلك الجواری والحظایا للناشئة المسلمة، وهنّ لا یملكن المعرفة الكافیة بالإسلام وتعالیمه، ولا لدیهن القدر الكافی من الإیمان به، أو الالتزام بتعالیمه قد كان من شأنه أن یقلل من نسبة الالتزام الدینی عند ذلك النشئ، ویجعل من الإسلام مجرد ظواهر وطقوس جامدة لا أكثر.


فراجع ما كتبناه حول هذا الموضوع أیضاً فی كتابنا: الحیاة السیاسیة للإمام الحسن (علیه الصلاة والسلام).


وقد كان رجل من نهاوند اسمه دینار یقدم الكوفة أحیاناً، فقدمها فی أیام معاویة فقام فی الناس: فقال: «یا معشر أهل الكوفة أنتم أول ما مررتم بنا كنتم خیار الناس، فعمرتم بذلك زمان عمر وعثمان، ثم تغیرتم وفشت فیكم خصال أربع: بخل، وخب، وغدر، وضیق. ولم یكن فیكم واحدة منهن، فرمقتكم فإذا ذلك فی مولدیكم، فعلمت من أین أتیتم، فإذا الخب من قبل النبط، والبخل من قبل فارس، والغدر من قبل خراسان، والضیق من قبل الأهواز»(2).


____________



(1) الأخبار الطوال ص127.


(2) حیاة الشعر فی الكوفة ص155 عن تاریخ الطبری، ویذكر الطبری أن المهاجرین


=>















الصفحة 47


المجتمع العراقی.. والحرب:


بعد ما تقدم نقول:


إننا إذا أردنا أن لا نكون مقصرین فی دراستنا للأمور، فإن علینا أن نأخذ بنظر الاعتبار الأمور التالیة:


1 ـ قضیة علی (علیه السلام) لا تعنیهم:


إن رؤساء القبائل الذین كانوا یتحكمون بقرار المشاركة فی الحروب لمن یأتمرون بأمرهم، قد حاربوا مع أمیر المؤمنین عدواً یرون أنه ـ حسب معاییرهم ـ عدو له. قبل أن یصبح عدواً لهم. وقد یجدون قواسم مشتركة كثیرة تسهل علیهم الالتقاء مع ذلك العدو، والوصول معه إلى حلول أو أنصاف حلول.


إنها حروب لم تكن تعنیهم كثیراً، ولا تمثل لهم قضیة یرون أنفسهم ملزمین بالدفاع عنها، والحفاظ علیها.


وحتى حین یدركون أن ثمة استهدافاً خطیراً لهم، فإنهم یفهمون القضیة على أساس أنها دفاع عن أشخاصهم هم، أو عن شخص علی (علیه السلام)، لا عن قیم ومثل علیا. فما كان یقاتل من أجله علی (علیه السلام) یختلف فی مضمونه عما یقاتل من أجله أصحابه.


____________



<=


والأنصار فی فتوح السواد تزوجوا فی أهل الكتابین حیاة الشعر 146 عن الطبری 1/5/2374 ویقول بعضهم: «شهدت القادسیة مع سعد فتزوجنا نساء أهل الكتاب ونحن لا نجد كثیر مسلمات» حیاة الشعر 146 عن الطبری 1/5/2375 وقد أمر عمر حذیفة أن یطلق امرأة من أهل الكتاب كان قد تزوجها وذلك بعد أن ولاه المدائن. حیاة الشعر146 عن الطبری /1/5/2374 /2375.













الصفحة 48


2 ـ لا غنائم ولا سبایا:


إنهم حین یتخذون قرار الحرب هذا، ویشاركون بالفعل فیها، وتقتل رجالهم، وتتفانى صنادیدهم، ویعرضون علاقاتهم القبلیة والتجاریة وغیرها لأخطار حقیقیة، ولنكسات وتعقیدات.. فإنهم لا یرون فی مقابل كل ذلك أی نفع مادی ملموس، یمكن أن یعوض علیهم بعض تلك الخسائر بنظرهم.


إنها حروب داخلیة، لا غنائم فیها، ولا سبایا، بل فیها مصائب وبلایا، وخسائر، على الصعید المادی والدنیوی، الذی هو العنصر الشاخص فی حسابات الربح والخسارة لدیهم.


فبملاحظة هذا وذاك لماذا إذن لا یمنّون على علی وعلى أهل بیته (علیهم السلام)، بما یقدمونه من تضحیات، مادام أنهم أصحاب الفضل علیهم بحسب فهمهم للأمور، وطبیعة تعاطیهم معها.


3 ـ هیمنة المشاعر القبلیة ومفاهیم الجاهلیة:


ومن الأمور التی تشیر إلى مدى إسفافهم فی التفكیر. وهیمنة المشاعر القبلیة، والمفاهیم الجاهلیة علیهم، ما ذكر من «أن أهل الكوفة فی آخر عهد علی (علیه السلام) كانوا قبائل. فكان الرجل یخرج من منزل قبیلته، فیمر بمنازل قبیلة آخرى؛ فینادی باسم قبیلته: یا للنخع، أو یا لكندة؛ فیتألب علیه فتیان القبیلة، التی مرّ بها؛ فینادون: یا لتمیم، ویا لربیعة. ویقبلون إلى ذلك الصائح، فیضربونه، فیمضی إلى قبیلته، فیستصرخها، فتسل السیوف وتثور الفتنة»(1).


____________



(1) شرح نهج البلاغة ج3 ص239 وحیاة الشعر فی الكوفة ص182.













الصفحة 49


4 ـ حقیقة إخلاص القیادات:


إن القیادات العشائریة العراقیة لم تكن مخلصة، ولا بعیدة النظر فی ما یرتبط بالأمور السیاسیة، وغیرها. وقد سأل المختار أحدهم عن الناس فی الكوفة، فأجاب: «هم كغنم ضل راعیها. فقال المختار: أنا الذی أحسن رعایتها، وأبلغ نهایتها»(1).


وقد سهّل ذلك ظهور قیادات جدیدة، تكرس انقسامات یبعثها الجهل، أو الهوى، وما إلى ذلك. ویتأكد ذلك حین یكون ثمة واقع یریدون الخروج منه، أو الوصول إلیه، كما كان الحال فی صفین حین ضرستهم الحرب، وتأكدت لدیهم الشبهة التی جاءت موافقة لهوى النفس برفع المصاحف. فنتج عن ذلك وقوعهم فی مأزق حین لم یجدوا فی أنفسهم ولا فی تلك القیادات العشائریة قدرة على استیعاب حركة الواقع، لا من موقع الوعی الصحیح، ولا من موقع الهدف الرسالی. بل وقعوا فی متاهات فرضتها استجاباتهم لدوافع غیر رسالیة، وغذاها جهل، وخواء فكری ومعرفی، وتنكب لصراط الوعی والعلم الصحیح.


5 ـ رقابة علی تهدد مصالحهم:


بل إن هؤلاء الناس یرون أو یرى كثیر منهم: أنهم فی ظل حكم علی (علیه السلام): أن امتیازاتهم مهددة فی ظل الرقابة الصارمة لعلی (علیه السلام)، وملاحقته لأدق الأمور، وكان یأخذهم دون هوادة بمر الحق، ویحملهم على المحجة الواضحة.


____________



(1) حیاة الشعر فی الكوفة ص133 عن تاریخ الأمم والملوك ج2 ـ ق1 ـ ص531/532.













الصفحة 50


6 ـ تقلبات وضغوطات مضعفة:


ولقد كان لتلك القبائل دور رئیس فی الفتوحات، جعلهم یشعرون بمزید من الزهو، والاعتداد بالنفس، حتى إنهم كانوا كلما عنّ لهم عزل حاكم، یبادرون إلى ممارسة الضغوط على مركز القرار، ویجبرون الخلیفة فی المدینة على عزله، ویكون لهم ما یریدون.


7 ـ الإرباك بسبب قتال أهل الإسلام:


لقد أصبح العراقیون لأول مرة یواجهون، ویحاربون جماعات تحمل اسم الإسلام وتدّعی الأخوة فی الدین وهذا ما یجعلهم یعیشون حالةً من الإرباك النفسی تجاه هذا الأمر.


ولولا أن شخصیة علی (علیه السلام)، والتحاق كبار الصحابة به، ومناصرتهم له قد تركت آثارها على الواقع برمته، فلربما كان للعراقیین موقف آخر وحدیث آخر فی هذا المجال..


فإن مناصرة صحابة رسول الله (صلى الله علیه وآله) له (علیه السلام) قد رسخ ما له من قداسة فی نفوس الكثیرین.. ولم یجد المتضررون، وضعفاء الإیمان ذریعة یواجهونه بها، حتى جاءت قضیة التحكیم، التی أعطتهم الفرصة للإعلان بما تكنه نفوسهم. فظهرت حیكة النفاق، وجهروا بمعارضتهم له، وأثاروا الشكوك والشبهات.


ومما زادهم جرأة، وتوغلاً فی التیه ما رفعه المعترضون على التحكیم من شعارات رنانة مثل شعار: «لا حكم إلا لله». رغم أن علیاً لم یخرج على هذا الشعار فی مسألة التحكیم، وإنما هو قد رسخه، والتزم وألزم أعداءه به.












الصفحة 51


ولم یستطع الكثیر من العراقیین تمییز الحق عن الباطل فی ذلك كما هو معلوم.


8 ـ لا معاییر تحمی من الشعارات:


وإن من الأمور التی أعطت الفرصة لتلك الشعارات لتترك أثرها غیر المنطقی على الواقع العام، هو أن العراقیین ما كانوا یملكون معاییر وضوابط فكریة، وعقیدیة تحمیهم من تأثیراتها الناشئة عن فهمها الخاطئ لتلك الشعارات، وذلك لأن الخلفاء السابقین على علی (علیه السلام) إنما فتحوا أعین العراقیین على الغنائم والسبایا، مع الاكتفاء منهم بظاهر الدین، الذی یقتصر على ممارسة الطقوس من دون وعی لمضامینها ولا لأهدافها. ومن دون الاهتمام بالتأسیس الفكری والعقیدی لها. وتحصین الناس من آثار الجهل والسطحیة، والغباء.


9 ـ الخلیط غیر المتجانس:


ثم إن المجتمع العراقی كان عبارة عن مجموعات مختلفة فی انتماءاتها العشائریة، والعرقیة، وفی ثقافاتها، وتفكیرها، وتاریخها. فهنالك العربی، والفارسی، والنبطی، والحجازی، والیمانی، كما أن فیهم البدوی والحضری، والمسلم وغیر المسلم، وغیر ذلك من فئات جاءت من مناطق شتى، ولها میزات، وخصائص متفاوتة.


وفی نص آخر: أنهم لم یتربوا على ید زعیم واحد، یغذیهم بفكره، ویطبعهم بمنهجه، ویؤثر فی نفوسهم وطبائعهم، وعقولهم. ولم یكن لهم آمال مشتركة ولا هموم متجانسة، ولا ثقافات منسجمة.


ولم یكن زعماؤهم ـ العشائریون، وغیرهم یملكون مستوى ثقافیاً












الصفحة 52


مقبولاً، وحتى لو كان، فإنهم ما كانوا یهتمون برفع مستواهم الثقافی إلى درجة تمكنهم من وعی الأمور، وتفهمها من منطلقات صحیحة وسلیمة. موافقة للعقل وللفطرة، وللمبادئ الإنسانیة والإسلامیة.


10 ـ الخسائر فی الحروب:


إن هذه الحروب قد كانت لها آثار كبیرة على مختلف شرائح المجتمع العراقی.. لا سیما مع طول أمدها، ومع ما حملته من ویلات وخسائر كبیرة فی الأرواح قد تصل إلى عشرات الألوف، ففی صفین بلغت الخسائر خمسة وعشرین ألفاً من جیش علی (علیه السلام)، وخمسة وأربعین ألفاً من جیش معاویة(1) بالإضافة إلى عشرات ألوف أخرى من القتلى ـ فی حرب الجمل.


11 ـ العرب والموالی:


وقد بلغت المشاعر القبلیة، والروح العشائریة حداً جعل البعض یقول: غلب على الكوفة طابع الحیاة الجاهلیة(2).


وحتى الشعبی الذی یفترض أن یكون على درجة من الوعی، وأن ینأى بنفسه عن حالات التعصب غیر المقبول إسلامیاً وإنسانیاً، وأخلاقیاً. إن الشعبی هذا الذی كان قاضی الكوفة فی عهد عمر بن عبد العزیز، یصرح بما تكنه نفسه، من أن الموالی بغضوا إلیه المسجد، حتى


____________



(1) راجع صفین للمنقری ص558.


(2) حیاة الشعر فی الكوفة ص181 عن شوقی ضیف فی كتابه: التطور والتجدید فی الشعر الأموی ص80 و81.













الصفحة 53


تركوه أبغض إلیه من كناسة داره(1).


ویرید الشعبی بالمسجد هنا المسجد الكبیر فی الكوفة، بحكم كونه قاضیا فی ذلك البلد، ویفترض فیه أن تكون صلاته فی ذلك المسجد. وإذا به یوجه إهانة وقحة جدا لذلك المكان المقدس!! نعوذ بالله من الزلل فی القول والعمل..


ولم یقتصر الأمر على هذا المسجد، بل إن مسجداً آخر فی الكوفة كان قد بلغ من ظهور شخصیة الموالی فیه أن أصبح حوالی منتصف القرن الثانی یقال له: مسجد الموالی(2).


وكان الجیش الذی أرسله المختار لیمكر بابن الزبیر مؤلفاً من ثلاثة آلاف رجل أكثرهم من الموالی، لیس فیهم من العرب إلا سبع مئة(3).


كما أن عدد الموالی الذین حاربوا فی صفوف ساداتهم مع ابن الأشعث قد بلغ مئة ألف(4).


وكتب سعید بن العاص لعثمان بن عفان بعد سنة ثلاثین للهجرة:


«.. إن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم، وغُلب أهل الشرف منهم والبیوتات، والسابقة، والقدمة.


والغالب على تلك البلاد روادف ردفت، وأعراب لحقت، حتى ما ینظر إلى ذی شرف، ولا بلاء من نازلتها، ولا نابتتها»(5).


ویذكر البعض: أن الموالی فی الكوفة كانوا أكثر من نصف


____________



(1) طبقات ابن سعد ج6 ص175 وحیاة الشعر فی الكوفة ص170.


(2) حیاة الشعر فی الكوفة ص170 عن تاریخ الأمم والملوك ج3 ـ ق1 ص295.


(3) حیاة الشعر فی الكوفة ص168 عن تاریخ الأمم والملوك ج2 ـ ق2 ص289.


(4) حیاة الشعر فی الكوفة ص168 عن تاریخ الأمم والملوك ج2 ص1072.


(5) حیاة الشعر فی الكوفة ص161 عن تاریخ الأمم والملوك ج1 ـ ق5 ص2852.













الصفحة 54


سكانها(1).


ویذكر ابن مطیع أنه كان مع المختار خمسة مئة من موالیهم، وأنهم قد أمروا علیهم أمیراً منهم(2).


وكان أبو عمرو بن العلاء، یقول لأهل الكوفة: «لكم حذلقة النبط، وصلفهم»(3).


خلاصة.. وبیان:


وبعد ما تقدم نقول: إن الواقع الذی كان یعیشه الشعب العراقی لم یكن فی صالح أمیر المؤمنین (علیه السلام)، ولكن قد كان على أمیر المؤمنین (علیه السلام) أن یستفید من هذه القوى المتوفرة لدیه قدر الامكان فلم یكن لدیه خیار آخر، إذ لا مجال لأن یأتی بالملائكة مثلاً لیحاربوا الطغاة والمتجبرین من أجل إقامة هذا الدین.


وهذا بالذات هو ما واجهه رسول الله (صلى الله علیه وآله)، حیث كان لابد له من أن یستفید من القوى المتوفرة، من موقع الهیمنة والرقابة، على أن یمارس أمر الإصلاح تدریجاً بالصورة المناسبة والمجدیة.


كما أن الأمر قد استمر على هذه الحال، إلى ما بعد وفاة أمیر المؤمنین (علیه السلام)، فابتلی الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه علیه بنفس هذه التركیبة العراقیة، التی یصورها لنا النص التالی:


____________



(1) حیاة الشعر فی الكوفة ص168.


(2) حیاة الشعر فی الكوفة ص168 عن تاریخ الأمم والملوك ج2 ـ ق2 ص627..


(3) حیاة الشعر فی الكوفة ص154 عن البیان والتبیین ج2 ـ ص106.













الصفحة 55


«خف.. ومعه أخلاط من الناس بعضهم شیعة له ولأبیه.


وبعضهم محكمة [أی خوارج]، یؤثرون قتال معاویة بكل حیلة.


وبعضهم أصحاب فتن.


وطمع فی الغنائم.


وبعضهم شكاك.


وأصحاب عصبیة، اتبعوا رؤساء قبائلهم، لا یرجعون إلى دین»(1).


____________



(1) راجع: أعیان الشیعة ج1 ـ ص568 وكشف الغمة للإربلی ج2 ـ ص165 والإرشاد للمفید ص193..













الصفحة 56












الصفحة 57